الهزيمة لم تكن صدفة… بل صناعة شمالية متقنة

 

الحلقه الرابعه

كتب /فارس العدني

 

لنضع النقاط على الحروف دون مواربة:

الدولة سُلّمت للحوثي تسليمًا لا قتالًا، وقُدمت صنعاء على طبق من فضة، ثم جرى البحث عن كبش فداء من أبين لتحميله كل الخطايا، رغم أن السلطة الفعلية والسلاح والقرار كانت بيد القوى الشمالية نفسها.

 

في عمران كانت بحوزتهم فرقة مدرعة قوامها آلاف الجنود ومليشيات حزبيه مسلحه

لم يطلقوا طلقة واحدة.

ثم صوّبوا أصابع الاتهام نحو رئيس الجمهورية ووزير دفاعه، وكأنهما يمتلكان جيشًا يُطيع الأمر أو قيادة تُحترم.

 

وعندما وقف الحوثي على أبواب صنعاء، رفعت النقاط العسكرية وفتح الطريق أمامه، بينما كان القصر الجمهوري يُحاصر وقائد معسكر السواد يتذرع بأنه “محايد” و”محرج”.

 

أي حياد هذا؟

الدولة تُذبح، والرئيس يُحاصر، وقادة الشمال يقفون موقف المتفرج!

 

وفي المقابل، كتيبة جنوبية واحدة بقيادة عبدالله الصبيحي قاتلت يومًا كاملًا تحت النار والحصار.

 

هذه ليست حادثة عابرة.

هذا نمط… ثقافة… تاريخ من الخيانة والتنصل والخضوع، يهرب أصحابه من الميدان إلى تبرير الهزيمة.

 

هذه ليست حادثة واحدة أو ظرفًا طارئًا، بل سلوك متجذّر في الثقافة السياسية والعسكرية الشمالية، التي تبحث دائمًا عن شماعة تعلّق عليها إخفاقاتها، وتبرّر عبرها تخلّيها عن الدولة، وتشتري برواياتها المزيفة صكوك البراءة التاريخية.

 

ومن المفارقات أن شعبًا يعدّ بالملايين، وقبائل تزعم القوة والبأس، وسلاحًا يتكدّس، لم يستطع حماية صنعاء من مليشيا خرجت من قراهم ولم يقاوموا دفاعاً عن كرامتهم وعرضهم وهذا أضعف الايمان ! 

 

إن الحديث هنا لا يستهدف الشماليين كشعب، بقدر ما يضع إصبع الحقيقة على طبقة سياسية وقبلية أتقنت فن التخلي عن مسؤوليتها، واحتراف دور الضحية، وتصدير التهم، وبيع الخيانات على أنها بطولة 

 

يتحدثون عن النخوة وهم الذين تركوا صنعاء تُغتصب دون مقاومة.

يتحدثون عن القبيلة والرجولة وهم الذين وقفوا على الأرصفة يشاهدون الحوثي يأخذ عاصمتهم بيتًا بيتًا.

يتحدثون عن البطولة وهم الذين يملكون السلاح والعدد، ويهربون من الميدان.

 

أما الجنوب؟

فقد قاتل في عدن بسلاح شخصي، تحت الحصار، وأسقط أربعة ألوية كانت بعدن ومليشيات غازيه حوثية.

لم ينتظر وصايا أحد، ولم يبحث عن شماعة يعلّق عليها فشله.

 

والحقيقة القاسية التي لا يريدون سماعها:

من سلّم صنعاء، لا يملك الحق في اتهام غيره.

 

والمخجل أكثر من الهزيمة نفسها، هو ظهور تلك النخب والقيادات على القنوات اليوم، تملأ الفضاء ضجيجًا بشهادات مزوّرة عن أحداث لم يمضِ عليها سوى بضع سنوات، أحداث يعرفها الناس جيدًا، وشهدوا تفاصيلها ساعة بساعة. فها هم يحاولون—بوقاحة—ليَّ عنق الحقيقة وتجيير التاريخ لمصلحتهم، كما اعتادوا دائمًا: تبرئة أنفسهم، وتسويق فشلهم، ورمي أثقالهم على الآخرين.

 

هذه القيادات لم تكن على الهامش، بل كانت في صدارة المشهد، تمتلك وحدات أمنية وعسكرية، وتستند إلى نسيج قبلي مسلح. ولو كان في نياتها الدفاع عن الدولة وعن الجمهورية، لقاومت المليشيات المتطرفة، لكنها لم تفعل. لماذا؟ لأن الحقيقة المرة هي أن الخيانة والارتزاق، والولاءات المناطقية والمذهبية، كانت أقوى من الانتماء للوطن.

 

تآمروا على رئيس شافعي - صاحب أبين- حسب تسريباتهم لاتقفوا مع صاحب ابين - ظنًا منهم أن التخلص منه سيفتح لهم أبواب التحالف مع الحوثي—بالهوية أو بالمذهب أو بتقاسم السلطة. فخاب ظنهم، وابتلعهم من فتحوا له ممرات العبور في مناطقهم وقراهم، حتى تمدد في عظامهم ونخر بنيانهم، تاركًا إياهم اليوم لا يملكون سوى سرديات التضليل، وشاشات الأكاذيب، وذاكرة العجز ا

 

 

ومن خان الثورة المصرية بالأمس، وخان الجمهورية اليوم، لا يمكنه أن يدّعي الشرف أو البطولة.

 

هذه المشاهد ليست جديدة على التاريخ اليمني.

ففي ستينات القرن الماضي، حين جاءت القوات المصرية دفاعًا عن الجمهورية، كان كثير من مشايخ وقادة الشمال يتقنون لعبة الوجوه المزدوجة: جمهوريون في الصباح، ملكيون في المساء، يجلسون على موائد المصريين بالولاء، ثم يبيعون الأسرار للملكيين مقابل المال أو النفوذ. لقد كانت خيانة ذات وجهين:

خيانة للمصرين الذين دفعوا الدم،وخيانة للجمهورية التي ادّعوها،مقابل الارتزاق وتجارة المواقف.

 

يبيعون الولاء مقابل المال أو النفوذ.

يرتدون وجوهًا مزدوجة بلا خجل:

مع المصريين…

ومع الملكيين…

ضد الجميع…

ولمصلحة الذات فقط.

 

إنها هوية سياسية شمالية متجذرة:

ارتزاق قبل شرف، مصالح قبل دولة، ونجاة فرد قبل وطن.

 

ثم بعد كل هذا:

يتهمون غيرهم بالخذلان!

 

 

إنها ثقافة واحدة تتكرر: الارتزاق قبل الدولة، والمصلحة قبل الوطن، والحياد المخزي أمام الخطر مع الشجاعة الزائفة أمام الحليف

 

ولهذا:

فالأجدى أن يبقى الحوثي خصمهم في صنعاء، لا الجنوب.

وليتحمّلوا مسؤولية خياراتهم، بدل الهروب منها الى الأبد.