كنت حاضرا في الندوة الادبية التقيمية للمدونه الأدبية التي أطلق عليها (ترنيمة فارس) للمؤلف والكاتب الدكتور عوض العلقمي عميد كلية المجتمع الاستاذ المشارك وأستاذ النقد والادب القديمين في جامعة عدن ، الندوة التي أقيمت في كلية المجتمع بعدن بتاريخ 12من الشهر الجاري بحضور كوكبة من أهل الادب والثقافة والعلم ، كان لابد لنا من تسليط الاضواء على هذه الندوة المتميزه ومن وجهة نظر متواضعة ومحدودة وليست متخصصة
فأن كل من كانت له بصمات أبداعية أستطاع من خلالها الاسهام في تحديد السمات الثقافيه في مجتمعه وتوضيحها يصبح رمزا ، له مكانته الرفيعة في هذا المجتمع ، خاصة أذا ماتجلى هذا الابداع في الواقع وأضفى قيما جمالية على الحياة وفي فترة حرجة من عمر مجتمعه كادت تطغى عليه وتسلبه هويته وثقافته النابعة من محيطه المنتمي اليه.. وصاحب (ترنيمة فارس) هامة علمية وأدبية له العديد من المؤلفات والابحاث والمقالات لعلى أهمها كتاب صناعة الشعر عند قدامة وأبي هلال العسكري ، وآخر النقاد الشعراء في العصر العباسي شعرهم في ضوء أرائهم النقدية وغيرها..
والفارس في الترنيمه قد عاش قسوة الدنيا ومتاعبها في مطلع سبعينيات القرن الماضي ومن رحم المعاناة صوب بوصلته نحو الخلاص بأرادة وصبر وتحمل وجلد بعد أن وجد نفسه مهجرا ووحيدا من دون حبيب ولاقريب الى مملكة بائدة، وأجاد هذا الفارس النيبل أستخدام سلاح العلم للنجاة بنفسه فكرا وعقيدة حيث تشبعت عنده قيم ومعاني الانتماء والحب للوطن على الرغم ما أصابه في سجلات الماضي الأليم والحزين نافرا للظلم ومتمردا على الجهل والحقد والثأر والأنتقام، منطلقا نحو افاقا رحبة وجديدة ، طارقا أبواب المستقبل المنشود في حلم وطن كبير وعزيز وقوي رافعا رأسه الى السماء بعد أن أغرورقت عيناه دمعا وهوصبي لم يبلغ الحلم أو الرشد في دجى ليل مظلم وزوار الفجر الظالمين الذين قتلوا أسرة وشردوا طفلا بريئا ، ليل كان يعم الوطن بشماله وجنوبه وكل على طريقته ونمطه الثوري والتصحيحي الدموي
وهنا فقد تعمد قلمي من ذكر ذلك لكي نبين بقليل من الفلسفة الدافع للفارس للتعبير عن نفسه بهذه المدونة الادبية الواقعية والرائعة سردا والتي وصفتها في لقائي على هامش الندوة للزميلة روى عصمت وبميكروفون قناة عدن الفضائية بالصورة الجسورة والجرئية لكاتب أجاد الفروسية وأستحقها وأطلق تسمية ترنيمة فارس على روايته بأقتدار...
وهنا فأنني أعتقد أن معرفة سبب الاشياء من الامور التي تنير العقل ، بل أنني أذهب الى ماهو أبعد من ذلك وأزعم أن أهمال الأسباب من العناصر التي ساهمت في تأخير هذه الامة ، فالكثيرون منا لايصدقون بما لايعقل وقوعه لانهم لم يتعودوا على أن يتفهموا علاقة الاسباب بمسبباتها ، في حين أن ثقافتنا الأسلامية تعلمنا أن نهتم بمعرفة أسباب الاحداث فقد جاء في الحديث : (أبى الله أن يجري الأشياء الا بأسباب ، فجعل كل شي سببا وجعل لكل سببا شرحا وجعل لكل شرحا علما وجعل لكل علما ناطقا.....)..وماأود قوله أن الفهم هو الذي يحدث التغيير في نفس صاحبه وفي نفوس الاخرين ولايأتي الفهم الدقيق الا بعد طول التأمل... ولهذا فأن أفضل مايوجه الى تربية النشئ وتنمية مدارك الشباب هي الدعوة أن نعودهم على التفكير بعلاقة الاسباب بمسبباتها وأن لانحشو العقول بالمحفوظات دون تفسيرها تفسيرا عقليا ، ولو اردت أستقصاء الاسباب والمسببات لخرجت عن القصد ، ولايفوتنا أيضا الاشارة أن لكل عصر معرفته وثقافته ، فليس هناك شيئا ثابت يتحتم علينا أن نقف عنده ، فهناك بعض القيم الانسانية والاجتماعية مايزال لها تأثيرها عند معظم المجتمعات كالصدق والامانة وما الى ذلك من الاخلاق الثابتة التي لايستقيم المجتمع الا بالمحافظة عليها
ومهما يكن من أمر ، فأن الفكر ليس له نهاية وهو يتجدد مع تجدد الحياة ، وقد نشاهد أحداثا نجهل أسبابها فلا يجوز أن نتخذها برهانا أوهاجسا ملازما دون أن نبحث عن أسبابها قدر المستطاع فأن لم نتمكن ، علينا أن نثق بأنه سيأتي يوما يتمكن فيه الأنسان من أن يفهم سبب وقوعها ، وقد نخطئ في تحليلاتنا أو شرحنا لبعض الاحداث أو الامور... ولكن أعتقد أن حركة العقل أفضل بكثير من السكون وأن التساءل عن علل الأشياء ليست محرمة أو ممنوعه وبالحركة والتساءل هي من تجعل الأنسان يصل الى حقائق الامور وأسجل هنا احترامي واعجابي بمدير ندوة ترنيمة فارس الاستاذ بدر العرابي عن تساءلاته في كلمته الاخيرة عن جغرافية تلك الاماكن التي ذكرت في الرواية حين قال : قد تساعدنا في فتح شفرات للمستقبل وللحديث بقيه .. وللرواية والمؤلف أضاءات عديدة ومن جوانب مختلفة.