في دستور القبيلة وقوانينها

ربما أكون قد تحدثت في سرديات سابقة عن شيء من الموروث الشعبي الصبيحي ، غير أن دستور القبيلة وقوانينها مازال بحاجة إلى شيء من الإثراء ، لعل في ذلك إيقاظا للقلوب الغافلة . صحيح إن دستور القبيلة وقوانينها لم تكن مدونة كدساتير الامبراطوريات والدول وقوانينها ، إلا أن دستور القبيلة وقوانينها عادة مايكون محفوظا - بواسطة الرواية - في عقول المشائخ وكبار القوم والعقال والوجهاء ، بعد أن يجتهد أولو الألباب والحكماء من القبائل المتجاورة المتعايشة في منطقة ما على صياغة أحكام  وأعراف مستنبطة من السلوكيات الحسنة والأخلاقيات السامية ، مطعمة بالحكمة ، وبُعد النظر ، ثم يتم نشرها في أوساط القبائل ، فيتلقفها المشائخ وكبار القوم ، ويقضون بها في الخصومات القبلية  ، وماعلى القبائل إلا احترامها ، والالتزام بها ، والتعايش بمقتضاها ، من أمثلة تلك الأحكام والأعراف السارية المفعول بين القبائل ؛ إذا ماحصلت الخصومة بين قبيلتين ، فإنه ليس من حق أي منهما قتل الرجل الأعزل من السلاح ، أو قتل الشيخ المسن ، أو الطفل الذي لم يبلغ الحلم ، أو المرأة ، كذلك لايجوز لأي من القبيلتين المتخاصمتين قطع الطريق العام أو  الموصلة إلى سوق الأسبوع ، الذي تلتقي فيه القبائل للبيع والشراء ، أو قتل الخصم في السوق مهما كانت المسوغات . فيصبح ذلك الأمر ملزما لكل أفراد القبيلة كبارا وصغارا ، ومن يخل بشيء من ذلك النظام ، يتعرض للعقوبات الرادعة من كبار القوم في القبيلة ، من تلك العقوبات ؛ أن رجلا تمرد على أعراف القبيلة ، ورمى بقوانينها عرض الحائط ، إذ أسرف في القتل غير المسوغ ، الأمر الذي جعل كبار القوم في قبيلته يتداعون  لاجتماع عاجل ، ثم يتخذون قرارا  يقضي بقتله ، بواسطة أكثر من مائة مقاتل ، ينتخبون من فئات القبيلة كافة ، كذلك من العقوبات ، أن رجلا أسرف في إيذاء جيرانه ، ما استدعى شيخ القبيلة يحكم بترحيله من الديار إلى خارج حدود القبيلة ، بعد أن شكل لجنة من كبار القوم ، تتولى تقدير ثمن منزله وأملاكه ، ودفعها له ، ثم إبلاغه بالرحيل عن جغرافيا القبيلة خلال مدة زمنية أقصاها تسعة أيام . علما بأن هاتين العقوبتين ليستا من شطط القول ، أو من نسج الخيال ، بل  حصلتا في قبيلة الكاتب ،  في خمسينيات القرن المنصرم ... ولكن للأسف إذ  لم يعد معمول بدستور القبيلة في راهننا ، فما نسمعه ونراه  اليوم من تقطع  في الطرقات العامة ، لعابري السبيل  وسطو  مابحوزتهم ،  فضلا عن قتل بعضهم  بأبشع الصور ، لأمر يندى له الجبين . فأين هؤلاء من القوانين والأعراف التي تحكم القبيلة ، أم أنهم دُخلاء ولا يمتّون للقبيلة وأحكامها بصلة  ؟!!

2 شوال 1443 للهجرة الموافق 3 مايو 2022م