فارس العدني
منذ توقيع الاتفاق السعودي–الإيراني في مارس 2023، بدا أن صفحة جديدة من التفاهمات الإقليمية تُفتح، محمّلة بآمال تسوية الملفات العالقة في المنطقة، وفي مقدمتها اليمن. وقد تم الترويج في ذلك الوقت أن ملف الحرب اليمنية مقبل على انفراجة حقيقية، بفضل التوافقات بين الرياض وطهران، والتفاهم الضمني على تحييد أدوات النفوذ، وعلى رأسها جماعة الحوثي.
لكن، بعد مرور أكثر من عام، يتضح أن خارطة السلام في اليمن جاهزة من حيث الشكل، لكنها تفتقر إلى العمق والضمانات من حيث المضمون، والسبب لا يكمن فقط في تعقيدات الداخل، بل في حسابات القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
واشنطن… عامل التعطيل غير المعلن
رغم انخراط واشنطن في الملف اليمني تحت عناوين متعددة، من دعم الشرعية إلى حماية الملاحة في البحر الأحمر، فإن الولايات المتحدة لم تُبدِ حتى الآن دعمًا حقيقيًا لتسوية شاملة. بل إن تحركاتها تبدو، في كثير من الأحيان، وكأنها تهدف إلى إدارة الأزمة لا حلّها، وإبقاء الحوثيين كأداة ضغط على إيران، بدلًا من الدفع الجاد نحو نزع فتيل الحرب.
التصعيد الحوثي في البحر الأحمر، والهجمات التي تطال الملاحة الدولية، تأتي في هذا السياق؛ كرسالة سياسية مدروسة تتجاوز الشأن اليمني، لتعكس صراعًا دوليًا أوسع، تستخدم فيه اليمن كورقة تفاوض وليس كأزمة إنسانية تتطلب إنهاءً عاجلًا.
في المقابل، بدأت روسيا بالتحرك في المساحة التي تتركها واشنطن، مستفيدة من علاقتها الاستراتيجية مع إيران وسعيها لتوسيع نفوذها في البحر الأحمر والقرن الإفريقي. وتُظهر التحركات الروسية مؤخرًا تقاربًا حذرًا مع الحوثيين، ليس بدافع الانحياز، بل من منطلق إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية واستثمار الأوراق المتاحة في مواجهة الغرب.
هذه المعادلة الجديدة قد تعيد رسم خريطة النفوذ في اليمن، لكنها لا تقدم ضمانات حقيقية للسلام.
سلام مؤقت… وحروب مؤجّلة
رغم الحديث عن تهدئة ومسارات سياسية، إلا أن السلام مع الحوثيين لا يمثل تسوية نهائية بقدر ما هو وقف مؤقت للقتال، مرهون بظروف إقليمية ودولية قابلة للتغيّر في أي لحظة. فالجماعة لا تُخفي مشروعها العقائدي والعسكري، ولا تزال تُبقي على سلاحها كأداة للهيمنة، وهو ما يُنذر بأن أي هدنة اليوم قد تكون مقدمة لحروب مستقبلية أكثر ضراوة.
وحتى مع محاولات تحييد خطرهم على الجوار أو تقليص قدرتهم على التمدد، تبقى الحقيقة أن السلاح خارج إطار الدولة، والمشروع غير الوطني، لا يمكن أن يُنتج سلامًا مستدامًا.
الشعب اليمني هو أول من سيدفع ثمن هذا السلام المؤجل، كما فعل منذ سنوات. فالمواطن العادي، الذي أنهكته الحرب والجوع وانهيار الخدمات، قد لا يملك ترف الانتظار حتى تتبدد الحسابات الدولية. كما أن المنطقة برمّتها، بما فيها دول الخليج، لن تكون بمنأى عن ارتدادات أي انفجار قادم، خاصة إذا أُهمل الملف اليمني وتم التعامل معه كأزمة يمكن احتواؤها دون معالجة جذورها.
صحيح أن التهدئة الحالية تمنح فرصة لالتقاط الأنفاس، لكنها لا تمثل نهاية الحرب، ولا بداية سلام حقيقي. بل تبدو وكأنها هدنة تُمليها ضرورات سياسية، لا قناعة بإنهاء الصراع. وما لم يتم تفكيك أدوات الحرب، ومعالجة جذور الأزمة، وضمان شراكة وطنية حقيقية، فإن اليمن مقبل على جولات أخرى من العنف، قد تكون أكثر تعقيدًا وخطورة على الداخل والخارج.
- "ضوء في العتمة".. بودكاست شبابي يشعل شمعة السلام من قلب عدن؟.؟
- الائتلاف اليمني بالشراكة مع مركز القاهرة: #نشتي- نعيش.. حملة حقوقية جديدة تسلط الضوء على المعاناة اليومية للشعب اليمني وحقوقه الأساسية المهدرة .
- موظفوا الخطوط الجوية اليمنية يبعثون برقية عزاء لرئيس مجلس الإدارة الكابتن ناصر
- مركز الملك سلمان للإغاثة يواصل توزيع الحقائب التعليمية في المدارس المستهدفة بمحافظتي لحج وأبين