نشر "معهد الأمن القومي الإسرائيلي" تقريراً، تناول فيه مستقبل اليمن، ولا سيما بعد الأحداث الأخيرة بين الانفصاليين المدعومين من الإمارات، والحكومة الشرعية، مشيرة إلى أنَّ الرياض وأبوظبي منقسمتان حول طبيعة الدولة اليمنية ورؤيتهما للحل في اليمن.
وقال تقرير المعهد التابع لجامعة "تل أبيب"، إنَّه "في أوائل أغسطس/آب 2019، سيطرت القوات الانفصالية الجنوبية، التي تطالب باستقلال جنوب اليمن وتتمتع بدعم من دولة الإمارات على القصر الرئاسي والمنشآت العسكرية في مدينة عدن، ما أدَّى إلى تعزيز سيطرتها على المدينة الساحلية الجنوبية الإستراتيجية التي كانت العاصمة البديلة للحكومة المركزية اليمنية مُنذ فقدانها لصنعاء".
وأوضح، أنَّ "هذا التطور جاء في أعقاب إعلان دولة الإمارات عن عزمها تخفيض عدد قواتها في اليمن، مع استمرار التوترات في الخليج العربي بين إيران والولايات المتحدة".
انقسام الرياض وأبوظبي
وأشارت التقرير إلى أنَّه "على الرغم من أنَّ الرياض وأبوظبي يحاولان إظهار أنَّ علاقتهما بخير من خلال الإعلان عن تشكيل لجنة ثنائية لإدارة وقف إطلاق النار في اليمن، فإنَّ الحقيقة هي أنَّ السعودية والإمارات منقسمتان حول الطبيعة والحل المحتمل للدولة اليمنية".
ولفت إلى أنَّ "هذا الاختلاف يمكن أن يضع زعيمي التحالف العربي في اليمن على طرفي النزاع ويختبران العلاقة بينهما. في حين أنَّ السعودية مُصممة على إعادة اليمن إلى هيكلها الحكومي الموحَّد قبل الحرب وإعادة الحكومة التي تمَّ طردها من صنعاء في مارس/آذار 2015، إلا أنَّ المصالح الإستراتيجية والاقتصادية لدولة الإمارات تكمُن في تأمين وتشجيع تطلُّعات المنطقة الجنوبية إلى دولة مستقلة".
وتابع التقرير: "بعد غزو الحوثيين لمناطق شاسعة من اليمن من أواخر عام 2014 وحتى أوائل عام 2015، بما في ذلك العاصمة صنعاء، فرّت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن. وفي وسط الحرب، غادر هادي وبعض مسؤوليه عدن إلى الرياض، ومنهما قادت الحكومة في المنفى حملة، بدعم من السعودية والتحالف الإقليمي الذي أنشأته في مارس/آذار 2015، ضد الحوثيين".
وبحسب المعهد الإسرائيلي، فإنَّه "مُنذ البداية، أثار وجود الحكومة المركزية المنفية في عدن احتكاكات بين الحكومة والحركة الجنوبية، على الرغم من حقيقة أنَّهما كانا جزءاً من الائتلاف الأكبر الذي يقاتل المتمردين الحوثيين".
ونوَّه إلى أنَّه مع اشتداد الحرب، كان هناك انتقاد متزايد في الجنوب بشأن وجود "زوَّار أو غرباء" من صنعاء فيما يتعلق بحُكم الجنوب وفشل الحملة العسكرية ضد الحوثيين. طالب كبار المسؤولين في الحراك الجنوبي بزيادة التمثيل في الحكومة المركزية في ضوء مساهمتهم في المجهود الحربي وبالنظر إلى المكانة التاريخية للجنوب كدولة قبل توحيد اليمن في مايو/أيار 1990.
وأردف التقرير، أنَّه "بدعم من دولة الإمارات، أسَّس الانفصاليون في نهاية المطاف المجلس الجنوبي الانتقالي، الذي أصبح القوة الرئيسية لاستقلال الجنوب. انضاف إلى قوة المجلس قوات مقاتلي الحزام الأمني، الذي أنشأته الإمارات كقوة عسكرية للدفاع عن حدود المحافظات الجنوبية ضد هجمات الحوثيين".
وزاد: "تتعاطف قوات الحزام الأمني مع المجلس الانتقالي وتنشط نيابة عنها في محافظات عدن وأبين وشبوة. تمَّ تسليط الضوء على القوة العسكرية والسياسية للمجلس الجنوبي الانتقالي بعد السيطرة على المنشآت الرئيسية في عدن في أوائل أغسطس/آب المنصرم. يبدو الآن أنَّ الحرب في اليمن التي ابتليت بها البلاد لمدة خمس سنوات يمكن أن تتسبَّب في طبقة أخرى من الصراع".
وأوضح التقرير، أنَّ "المجلس الانتقالي وأعضائه استولوا على القصر الرئاسي في عدن في 10 أغسطس/آب المنصرم، ودعا إلى إقامة دولة مستقلة في الجنوب".
ونقل المعهد الإسرائيلي عن زعيم الانفصاليين، عيدروس الزبيدي، تأكيده أنَّ جهود إعادة توحيد اليمن ستستعيد ببساطة الوضع الذي أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية الحالية، وبالتالي يجب أن يستعيد الجنوب استقلاله. يرى الزبيدي أنَّ تقسيم الشمال والجنوب في اليمن يعكس الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي والتاريخي، وهو أمر طبيعي أكثر من اليمن الموحد، وقد دعا بالفعل الهيئات الدولية وكذلك حكومة هادي والسعوديين إلى الامتثال لإعادة إنشاء الدولة الجنوبية.
واستطرد التقرير: كانت المواجهات بين حكومة هادي المدعومة من السعودية والمجلس الانتقالي ذات طبيعة عسكرية على سبيل المثال في محافظتي أبين وشبوة، وعلى الرغم من التصريحات المتعلقة بسحب قواتها من عدن ودعوات التحالف للشروع في مفاوضات، استمرت المناوشات بين القوتين.
سر خلاف الطرفين
وأكَّد المعهد الإسرائيلي، إنَّ "دولة جنوبية مستقلة في اليمن لا تخدُم المصالح السعودية ولا مصالح حكومة هادي، خاصة عندما تظل معظم المناطق الشمالية السابقة تحت سيطرة الحوثيين، الذين تعتبرهم الرياض امتداداً لإيران في اليمن، وبالتالي فهي غير قادرة على قبول حكمهم في أي جزء من اليمن".
وأضاف: بينما يُشكل حلُّ الإنفصال وقيام دولتين في الشمال والجنوب، مصلحة لدولة الإمارات، فمن خلال إنشاء دولة جنوبية تسعى أبوظبي لزيادة نفوذها على المناطق الساحلية في اليمن من أجل تخفيف حدة المنافسة الاقتصادية لموانئها في دبي وأبو ظبي، وكذلك توسيع أنشطتها في الدول الأفريقية القريبة.
إضافة إلى ذلك، يُشير التقرير إلى أنَّ قيام دولة في جنوب اليمن قد يُمكِّن دول الخليج الأصغر من تكوين علاقات ووضع سياسات خارج سياق الصراع الإيراني السعودي.
من جهة أخرى، يرى المعهد الإسرائيلي، إنَّه مع وجود الحركة الجنوبية ومؤيديها الذين يسعون جاهدين لإقامة دولة جنوبية مستقلة، فإنَّ المجلس الانتقالي يواجه تحديات من داخل الجنوب. على سبيل المثال، دفع الاعتراض على طريقة عمل قوات المجلس في منطقة شبوة بعض المقاتلين في شبوة والذين يدعمون من حيث المبدأ استقلال الجنوب إلى الانضمام إلى قوات هادي.
وبخصوص الخلافات بين السعودية والإمارات والقوات التي تدعمها في اليمن، أكَّد التقرير أنَّها تعكس المصالح المتباينة للبلاد، فإنَّ الرياض مهتمة في المقام الأول بالتهديد الذي يمثله الحوثيون المتمركزون في شمال اليمن، لأنَّهم قريبون جغرافياً من المملكة ويُكنُّون العداء الشديد لها، كما يتضح من الهجمات الحوثية المستمرة على أهداف إستراتيجية مدنية وعسكرية في السعودية.
وبحسب التقرير، فإنَّه "للتخفيف من هذا التهديد، كانت الرياض على استعداد للتعاون مع مختلف القوى، بما في ذلك حزب الإصلاح الإسلامي اليمني، الذي كانت السعودية قد وصفته سابقاً باسم منظمة إرهابية".
أما بخصوص الإمارات، يضيف التقرير، أنَّ "أبوظبي ترى أنَّ القوى الإسلامية هي التهديد الرئيسي لاستقرارها وأمنها القومي، وتُهدِّد حرية الملاحة في بحر العرب وحول مضيق باب المندب".
السعودية تفقد نفوذها
وأشار المعهد الإسرائيلي إلى أنَّه "في هذه المرحلة، لا يزال هناك عدد من الأسئلة. سيكون من المهم أن نرى كيف تُؤثر التطورات الأخيرة في الحملة في اليمن على العلاقات بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد؛ يُعتبر تعاونهم السياسي والعسكري في اليمن شهادة على العلاقات القوية بين البلدين".
وتساءل: هل يعني (أو يساهم) إعلان انسحاب الإمارات للقوات العسكرية من اليمن تدهور العلاقات بين البلدين، أم أنَّ آثار الانسحاب تقتصر على المسرح اليمني فحسب؟
وأجاب المعهد على التساؤل بالقول: "من الممكن بالتأكيد أنَّ الانسحاب من اليمن يدل على رغبة دولة الإمارات في أن تنأى بنفسها عن حملة اليمن التي تقودها السعودية، وذلك بسبب النقد المكثف الذي كسبته في الكونجرس الأمريكي والسعي لتخفيض خسائرها في النزاع الطويل من أجل تركيز الانتباه والموارد على تهديد آخر هو إيران، أو ربما لاسترضاء هذا الأخير".
وأفاد بأنَّ "الانسحاب العسكري للإمارات سيجعل من الصعب على السعوديين القتال ضد الحوثيين، حيث أنَّ الجزء الأكبر من القتال البري كان من دولة الإمارات والمرتزقة من الصومال وكولومبيا والقوات المحلية. في حملة صعبة بالفعل، سيُؤدي فقدان شريكها الأكثر كفاءة إلى تعقيد الوضع بالنسبة للمملكة العربية السعودية وقد يُجبرها على البحث عن حلٍّ تفاوضيٍّ مع الحوثيين".
وأكَّد التقرير، أنَّ "هذا الموقف الضعيف يُمثِّل مشكلة بالنسبة للمملكة حيث تسعى إلى التراجع بعد التوسع في هجمات الحوثيين على أهداف في السعودية، إضافة إلى بدء تطور علاقاتهم مع إيران (بما في ذلك تعيين سفير لإيران مؤخراً)".
ورأى المعهد الإسرائيلي، أنَّه من المحتمل أن يكتسب الحوثيون شجاعة إضافية جراء التفكك الفعلي للتحالف وكذلك الأضرار التي لحقت صورة المملكة العربية السعودية نتيجة لحملتها العسكرية التي أدَّت إلى كارثة إنسانية في اليمن.
وتابع: "من أجل التصالح مع واقع جديد، من الممكن أن تختار الرياض الآن اتباع نهج أكثر تقييداً من ذلك الذي اتسمت به عملياتها مُنذ بداية الحرب، مع تحديث أنظمة الدفاع الصاروخي الخاصة بها في الوقت نفسه، والدفاع السلبي، والقدرات الاستخباراتية للتعامل بشكل أفضل مع تهديد الحوثي بصواريخ أرض - أرض.
واختتم المعهد الإسرائيلي تقريره بالقول: "في ضوء التطورات الأخيرة، يبدو أنَّ السعوديين فقدوا نفوذهم تجاه الحوثيين ومؤيديهم. لقد أصبح الآن الامتياز في يد واشنطن، التي تسعى إلى إعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، وهذه المرة تحت رعاية عمان".