أمي..نبع التضحية

رب يوما بكيت منه فلما صرت في غيرة بكيت عليه ..في آواخر الستينات من القرن الفارط كنت طالبا في الصف الثاني من مرحلة التأسيس فشلت مرتين في الامتحان الفوزي ولربما يعود إخفاقي إلى سبب رحيل والدي وإزدراء زملائي من شكلي غير اللائق في تلك الأيام، فأنا يتيما ونحيل الجسم .. وقد نحل جسمي من جور ماحل بي ..فلا املك المال لشرى الملابس ولا احصل على حقيبة إلا بمجهود أمي أطال الله في عمرها فقد كانت ترقع القمصان وتخيط لي الحذيان وكنت انا واخواني الثلاثة نتقاسم كسيرات الخبز الاسمر مع غروب شمس الباديه التي كانت تجلبه لنا أمي الارملة من مدافن حب الذرة لجدي الله يرحمه فقد كان كريم ولا يرد لأمي طلب ..

كانت أيام نكدة وذكرياتها لازالت عالقه في ذهني تنكئ عروق قلبي فكيف السبيل إلى النسيان ..ومازالت صورة أمي ماثله امامي كلما تقدمت بي السنون وهي في ريعان الشباب والنضارة وقد كانت تتمتع بجمال ساحر ووجه فتان تسابق عليها الخطاب بعد موت والدي فآثرت الرفض وكلما علمت برفضها لمتقدم هرولت وارتميت بين احضانها امطرها بالقبل وحين انصرف كانت تتوارى خلف الجدار الآيل لسقوط من دارنا القديم لتذرف الدموع وتنتحب شفقه لحالي وحين اظهر تشيح بوجهها الجميل وتمسح دموعها خلسة بأطراف قناعها ..كانت أمي ولازالت امرأة فاضله جياشة المشاعر واشهد لله لولا وقوفها ومشاركتها لي في الحياة لفشلت في أول المشوار ولما تحقق لي النزر اليسير من النجاح لقد زوجتني أمي بمجهودها الذاتي من ابنة خالتي فتمنيت بعد ذلك الذريه الصالحه ..فصنفني رب العزة بالصنف الآخر حيث رزقني اياهم صم وبكم ثلاث بنات وصبي .

.وعوضني في آواخر العمر بااربعه آخرين اصحاء وحمدا لله الذي لايحمد على مكروة سواه ..وبعد إلحاح ونصيحة من أمي تركت الباديه وانا اجر خيبة الامل واستقر بي الحال في موديه الحبيبه ارض الليم والبوبيه ولاتسألوني عن حبي وهيامي لموديه فالمحبه ولاشي في المحبه لوم لاذكرته حبيبي مايجيني النوم ..لقد ودعت تلك الأيام ولازلت احن إليها حنين المفارق إنها أيام خوالي من عيشة الباديه اتذكرها وابكي الديار واردد ماقاله ابن الملوح امر على الديار ديار ليلى ..اقبل ذا الجدار وذا الجدار ..وماحب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار ..أيام مضت فما حملت منها غير مشقة التعب وضنك العيش لكنها والله وتالله اجمل والذ من عيشة هذه الأيام كنا نتمتع بالباديه دون حروب  ونردد الدان من كلمات المحضار وبصوت ابوبكر سالم بلفقيه ..سل عن نشيدي وفني كل وادي واتخبر العشب مني   والسمر والقتاد وقل للزمان ارجع يازمان .