حارس علي عبدالله صالح الشخصي لـ"اندبندنت عربية": أُبلغنا بمحاولة اغتيال الرئيس قبل تفجير "جامع دار الرئاسة" من سفارة أجنبية والحوثيون استخدموا 7 آلاف مقاتل في انتفاضة ديسمبر التي قتل على إثرهاولم يكن الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح يأخذ درس الرقص الخاص به بمفرده، إذ اعتاد على اصطحاب رجاله المقربين معه إلى عرض الرقص على رؤوس الأفاعي التي اعتاد ممارستها، كنموذج حكم به البلاد طوال عقود جلس فيه على سدة الرئاسة قبل وبعد الوحدة.
في عقده الأخير على الأرض لازمه ظل له يدعى عصام دويد أو "الفندم" كما يسميه رجاله في الجندية، كان شاهداً على أشهر رقصات الرئيس الخطرة، كيف لا وقد اختاره صالح لهذه المهمة، ليتلقى بالنيابة عنه لدغة الثعبان الأكثر سمية عندما تزل قدمه على وقع الموسيقى السريعة التي لم يعد جسده المسنّ قادراً على مجاراتها، وهذا ما فعله بالفعل، فقد كان حاضراً في أشهر محاولات الاغتيال، إلا أنه لم يتلق الرصاصة الأهم في رقصة الزامل الأخيرة، لتصيب رأس الزعيم وينجو الظل بأعجوبة.
"الفندم" لديه ما يقوله
لا يمكن فهم طبيعة فترة حكم الرئيس اليمني الراحل وتفاصيلها المثيرة للجدل وما اكتنفته بمعزل عن طاقمه المحيط الذي التصق به زهاء ثلاثة عقود ونيف، واختير أفراده بعناية شخصية فائقة، كما هو حال "الفندم" الذي لم يتذكر جيداً كيف اقتنصه صالح من بيت والده، ففي ذلك اليوم كان صالح يقود بنفسه سيارته المرسيدس يتبعه موكب طويل من عربات الدفع الرباعي ظهيرة أحد أيام شهر يونيو (حزيران) عام 1993 بمنطقة "بني مطر" غرب العاصمة صنعاء. وقف جانباً وأشار بالاقتراب إلى شاب عشريني فارع القامة متقد الذهن يرتدي المعوز "الإزار اليمني"، ويتمنطق الكلاشنكوف ومخازن الرصاص على صدره، كان يقف مع جملة مستقبلي الرئيس خلال زيارته الداخلية، وسأله إن كان أحد أبناء صديقه الشيخ القبلي البارز أحمد صالح دويد فأجابه بنعم، وبعد أن سأله عن اسمه عرف أنه عصام.
لفت عصام بنباهته نظر صالح بعد أن جاء تشبيهه في محله، ومثلما أصر أن يشاركه مأدبة الغداء التي أقيمت على شرف "الزعيم" ذلك اليوم، أصر أن يلحقه بطاقمه الأمني الخاص بعد أن سخر من اسمه "عصام" مداعباً، كونه "اسم مدني لا يليق بابن شيخ قبلي وولد بنباهة عسكرية"، لتبدأ قصة علاقة عصام دويد الحارس الشخصي للرئيس الأطول حكماً في تاريخ اليمن، وضيف "اندبندنت عربية" في حوار حرصنا أن يكشف عن جوانب من حياة "صانع الوحدة اليمنية" لم يتطرق إليها أحد من قبل.
في شقته بالقاهرة استقبلنا بترحاب وحفاوة ابن القبيلة والريف، وسألناه بداية عن أخباره منذ اختفائه المثير للجدل عن العاصمة صنعاء عقب مقتل الرئيس السابق على يد الحوثيين، ليجيب "أنا هنا أعيش حياة هادئة بعيداً من الوطن وضجيج الأوضاع التي تؤلمنا".
قبل أن يبادر مضيفنا بصب الشاي بدوت عجلاً لمعرفة جملة التفاصيل المثيرة التي اكتنفت طريقة ومكان مقتل صالح، وتداعيات تحالفه مع ميليشيات الحوثي وخلافه مع الرئيس هادي ومحاولة اغتياله في جامع دار الرئاسة في يونيو (حزيران) 2011، ولكني حرصت أن يبدأ الحوار على هيئة تسلسل منطقي للأحداث التي حكاها ضيفنا بدءاً من معرفته الأولى بصالح، وحتى مغادرته صنعاء سيراً على الأقدام إحداهما كانت تنزف دماً جراء شظية حوثية سكنت عضلة ساقه اليسرى، في رحلة مضنية امتدت يوماً كاملاً عبر الجبال الشاهقة شرقاً.
عصام المولود عام 1974 في قبيلة خولان بني شداد جنوب صنعاء نشأ وترعرع في العاصمة كون والده شغل مناصب عدة، وتخرج في جامعة صنعاء عام 1998 من كلية التجارة بتخصص إدارة الأعمال، ثم التحق بكلية الضباط الجامعيين بالأردن بأمر من الرئيس صالح، قبل أن يغدو كبير وقائد الحراسة الشخصية لعلي عبدالله صالح.
اسم مصري في ضيافة الرئيس
في ذلك اليوم أوقف الرئيس صالح سيارته وفتح زجاج النافذة وكان بجانبه نائبه حينها علي سالم البيض وعبد الكريم العرشي ومجاهد أبو شوارب، وقال لعصام "أنت دويد؟" فأجاب بنعم، ثم التفت مخاطباً البيض بحسب ما يقول ضيفنا، "هذا ولد الشيخ أحمد صالح دويد عرفته من الصورة طبعه أبوه طبع (يشبه والده حد التطابق) ثم أمسك يدي وقال: ايش (ما هو) اسمك، فقلت عصام، ورد مبتسماً: هذا اسم مصري... قلت له اسأل أبي هو الذي سمّاني".
بعد أن تحرك الموكب إلى مأدبة الغداء طلب عصام من والده الدخول معه عند الرئيس فرفض كونه أمراً فيه تعد على مراسم الأخير. يقول، "انتظرت مع جملة الضيوف في مجلس خارجي، وفجأة خرج العميد علي الشاطر وهو من المقربين لصالح وكان يشغل منصب مدير دائرة التوجيه المعنوي للجيش ونادى أين عصام؟ فقلت له متحفزاً من عصام؟ قال عصام دويد فنهضت منتشياً ثم قال تفضل وحط (ضع) البندق وتعال، دخلت صالة الطعام وعندما رآني الرئيس ناداني وأشار إليّ بالمجيء وأفسح لي بجانبه وفور جلوسي ناولني بيده كلية الخروف كتقدير منه".