على بُعد آلاف الكيلو مترات عن وطنهم، يواجه عديد من الشباب اليمنيين العالقين في الغابات الواقعة على الحدود الدولية، بين بيلاروسيا وبولندا، شتى أنواع المخاطر التي تهدد حياتهم، حيث تمنع السلطات البولندية دخولهم أراضيها كمهاجرين غير شرعيين، فيما رفضت السلطات البيلاروسية عودتهم مجددًا إلى أراضيها، بعد أن استغلتهم ككثير من المهاجرين كورقة ضغط في أزمتها السياسية مع دول الاتحاد الأوروبي.
ما يعانيه اليمنيون على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا ليس سوى مثال لمعاناة تشمل شبابًا يمنيين تتقاسمهم مواقع مختلفة من جغرافيا الحدود الدولية، في سياق محاولاتهم للهرب من واقع فرضته حرب أمعنت في إفقار بلدهم.
دولة بيلاروسيا هي إحدى محطات الهجرة غير الشرعية للشباب اليمنيين الذين اضطروا للهجرة بسبب ظروف الحرب في بلادهم. تبدأ رحلة المهاجرين اليمنيين بعد التنسيق مع مكاتب تابعة لشبكات تهريب في عدن والقاهرة وماليزيا وغيرها، وفور وصولهم إلى العاصمة البيلاروسية “مينسك”، يستقبلهم مندوبو شركات التهريب، التي تعمل تحت غطاء شركات سياحة وسفريات، ويدير بعضها يمنيون، وتقدم للشباب دعوات “زيارة سياحية” لـ”بيلاروسيا”، وإغراءات كاذبة بتمكينهم من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
الشاب محمد عبدالله (29 عامًا)، أحد هؤلاء الشباب الذين كانوا ضحية لشبكات التهريب، يروي المعاناة التي واجهها فور وصوله وعشرة من رفاقه إلى العاصمة البيلاروسية، قائلاً: «عندما وصلنا إلى مطار مينسك، استقبَلنا شخصٌ يدعى صلاح، وهو مالك الشركة التي أرسلت لنا الدعوات، وقام بدوره بتسليمنا لشخص يدعى رشدي، الذي استلم منا تكلفة التهريب، (3200 دولار عن كل فرد)، وقام بدوره بتسليمنا إلى شخص آخر يُدعى مهيب، والذي سلّمنا إلى شخص يدعى أبو إبراهيم السوري، الذي كان من المفترض أن يجتاز بنا الحدود البولندية وصولاً إلى العاصمة الألمانية برلين، بحسب الاتفاق، لكن ذلك لم يتم.
شبكات تهريب يديرها يمنيون في بيلاروسيا ذهب ضحيتها الكثير من الشباب
ويضيف: «عند تجاوزنا الحدود البيلاروسية، لم نجد أبو إبراهيم السوري في انتظارنا، وإنما وجدنا حرس الحدود البولنديين، الذين أعادونا إلى حدود بيلاروسيا مرة أخرى، ليحتجزنا البيلاروسيون في موقع عسكري ليومين، وفي اليوم الرابع دفعوا بنا مرة أخرى نحو الأراضي البولندية، ما اضطرنا للمكوث في الغابات الفاصلة بين البلدين.
يقول محمد: «بعد يومين من التيه في الغابات حيث عشنا لحظات الموت، وشربنا من المستنقعات، وأكلنا من الأشجار، تمكّنا من التواصل مع المهرب مرة أخرى في اليوم السادس، والذي بدوره رفض نقل 11 شخصًا، ولهذا تركني واثنين من زملائي في الغابات قبل أن يترك الثمانية الآخرين في مكان آخر دون إيصالهم، بعد ذلك تُهنا مجددًا وسط الغابات بين الخوف والجوع والبرد القارس».
اضطر محمد عبدالله، لاتخاذ قرار الهجرة بسبب غياب فرص العمل في البلد نتيجة لظروف الحرب والانهيار الاقتصادي، ورغبته في تحسين مستوى دخله وتحقيق أحلامه، فيما أجبرت الظروف المترتبة عن انقطاع تحويل المخصصات المالية، طلابًا يمنيين مبتعثين إلى العمل على ترك مقاعد الدراسة الجامعية. تواصل اليمني الأميركي مع سبعة من الطلاب اليمنيين المبتعثين في ماليزيا، الذين خاضوا غمار الهجرة غير الشرعية عبر بيلاروسيا، منهم ثلاثة من العالقين في غابات على حدود بيلاروسيا لأكثر من 12 يومًا، بينهم الطالب علي فائز (29 عامًا)، الذي فضّل خيار الهجرة عبر بيلاروسيا كمغامرة لمستقبل أفضل بعد تعذُّر عودته إلى وطنه.
ويوضح علي أن «تجربة بلاروسيا كانت كارثية، فبينما كنا نتخيل أن تهريبنا لن يتجاوز اليومين كما روَّج لنا المهربون، ذقنا الويل وتمنينا ألف مرة لو أننا نستطيع العودة إلى اليمن. علقنا في الغابات لمدة 12 يومًا، وازداد الوضع سوءًا، وكنا نطلب من البيلاروسيين والبولنديين أخْذنا إلى السجن لنتفادى التضاريس والأجواء السيئة من مستنقعات، حشرات، أمطار، رياح، درجة حرارة تصل الى -٦ مئوية، لكن دون جدوى وكل طرف يدفع بنا إلى الآخر».
محمد عبدالله: عشنا لحظات الموت وشربنا من المستنقعات المكشوفة وأكلنا من الأشجار في الغابات بين بيلاروسيا وبولندا