فارس العدني
شهدت العاصمة المؤقتة عدن خلال الأيام الماضية تراجعًا مفاجئًا في سعر صرف الدولار مقابل الريال اليمني، ما أثار تساؤلات عديدة بين المواطنين والمراقبين حول ما إذا كان هذا الانخفاض يعكس تحسنًا اقتصاديًا حقيقيًا أم أنه مجرد حالة عرضية سرعان ما تزول.
أسباب التراجع: توقف التلاعب وليس إصلاحًا اقتصاديًا
القراءة الدقيقة للمشهد توضح أن ما حدث ليس انتصارًا لسياسات الحكومة، ولا نتيجة لتحسن في مؤشرات الاقتصاد، بل يعود إلى سبب مباشر ومحدد: توقف عدد من الشركات الكبرى والجهات الإيرادية عن ضخ الأموال إلى السوق عبر محلات الصرافة، وهي ذات الجهات التي سبق الإعلان عن امتناعها عن توريد إيراداتها للبنك المركزي.
المفارقة الصادمة أن هذه الجهات يُديرها قيادات سياسية أو عسكرية تمتلك محلات صرافة أو تشارك فيها، وقد كانت تتلاعب بالسوق عبر ضخ كميات كبيرة من العملة المحلية والمضاربة بها لتحقيق أرباح خيالية.
ومع توقف هذا التدوير المفاجئ، تراجع الطلب على الدولار، وانخفض سعره. أي أن الانخفاض ليس ناتجًا عن فائض في العملة الأجنبية، بل عن ركود مفاجئ في المضاربة.
غياب الانعكاس الحقيقي على حياة الناس
لو كان هذا التراجع ناتجًا عن تحسن اقتصادي فعلي، لتبعته موجة انخفاضات في أسعار السلع والخدمات الأساسية. لكن الأسواق لا تزال على حالها، بل تسير بمنطق الحذر، بانتظار ما إذا كان هذا التحسن “الطاريء” سيستمر أم لا. وهذا ما يؤكد أن الهبوط الحالي في سعر الصرف لا يعكس ثقة السوق، بل يعكس فراغًا في النشاط المضاربي.
الفرصة أمام الدولة… والاختبار أمام الانتقالي
إن ما حدث يجب أن يكون جرس إنذار للدولة وليس موضع احتفاء إعلامي. وإذا كانت الدولة جادة في فرض الاستقرار المالي، فإن عليها أن تتدخل الآن وبقوة، لحماية هذا التراجع الطارئ وتحويله إلى مسار دائم، من خلال:
1. فرض رقابة صارمة على محلات الصرافة ومنع المضاربة خارج النظام المصرفي.
2. إجبار الجهات الإيرادية على توريد الأموال إلى البنك المركزي لا إلى جيوب المنتفعين.
3. محاسبة المسؤولين المتورطين في التلاعب بالسوق حتى وإن كانوا جزءًا من مؤسسات الدولة أو الأجهزة الأمنية.
عدن اليوم تحت سيطرة المجلس الانتقالي، ولديه القدرة والإمكانيات لفرض الانضباط المالي إن امتلك الإرادة السياسية. ولا عذر له في التراخي، خاصةً أن جماعة الحوثي – على ما في تجربتها من قمع – قد أثبتت أن القوة قادرة على فرض الانضباط المالي حتى في اقتصاد منهار.
ختامًا…
ما حدث ليس “معجزة اقتصادية”، بل خلل مؤقت في شبكة الفساد المالية. والفرصة متاحة للدولة – عبر البنك المركزي والأجهزة الأمنية – لتحويل هذا الخلل إلى إصلاح حقيقي… أو تفويت الفرصة كما اعتادت