غداة دعوة مجلس الأمن الدولي للتهدئة العسكرية في الحديدة والانخراط بإيجابية في مفاوضات سلام، دفعت الأطراف المتحاربة في اليمن بتعزيزات عسكرية اضافية الى المحافظة الاستراتيجية على البحر الأحمر.
يأتي ذلك في وقت استمر فيه التصعيد العسكري على ضراوته عند الشريط الحدودي مع السعودية وجبهات القتال الداخلية في تعز ولحج والبيضاء والجوف ومحيط العاصمة صنعاء.
مقاتلات التحالف بقيادة السعودية، شنت في الاثناء اكثر من 70 غارة جوية على اهداف متفرقة تركزت معظمها في محافظات صعدة، وحجة، والحديدة، شمال وغربي اليمن.
وتبنى أمس الخميس الحوثيون استهداف مقر رئيس لقوات التحالف في مدينة عدن الجنوبية، بطائرة مسيرة دون طيار، في اختراق عسكري غير مسبوق نحو مناطق نفوذ الحكومة والقوات الاماراتية.
وقالت قناة المسيرة التابعة للحوثيين ان "سلاح الجو المسير" قصف مقر قيادة التحالف في عدن، لكن قوات التحالف اعلنت تصديها للهجوم فوق منطقة البريقة غربي مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وحكومته.
وهذا الهجوم هو الاول من نوعه الذي تشنه جماعة الحوثيين في مدينة عدن، منذ استعادتها قوات جنوبية مدعومة من الامارات والسعودية في يوليو 2015.
الى ذلك افادت مصادر ميدانية بوصول تعزيزات كبيرة لحلفاء الحكومة في المنطقة الساحلية على البحر الاحمر، انطلاقا من معسكرات التحالف في مدينتي عدن والمخاب، وباب المندب.
وتواصل القوات الحكومية عملية واسعة لتأمين مكاسبها العسكرية جنوبي مدينة الحديدة، استعدادا فيما يبدو لهجوم عسكري جديد باتجاه المدينة الساحلية وموانئها الحيوية على طريق الملاحة الدولية بين مضيق باب المندب، وقناة السويس.
الى ذلك واصل الحوثيون تحشيدا عسكريا موازيا الى مدينة الحديدة، المحاطة بسياج من الخنادق الملغومة، وسط موجة نزوح جماعي لسكان المدينة التي تواجه اختناقات متقطعة في امدادات الماء والوقود والمعروض من السلع الاساسية.
الحوثيون خلال الساعات الاخيرة سلسلة هجمات مضادة عند خطوط امداد القوات الحكومة في مديريات حيس والتحيتا وبيت الفقيه جنوبي محافظة الحديدة، بينما تواصل القوات الحكومة وحلفاؤها المدعومون من الامارات هجوما منسقا مع مروحيات اباتشي نحو مركزي مديريتي التحيتا وزبيد.
وافاد الحوثيون بمقتل 15 عنصرا من حلفاء الحكومة واصابة اخرين بهجوم على مواقعهم في أطراف منطقة النخيلة جنوبي مديرية الدريهمي الساحلية على البحر الاحمر.
كما تحدث حلفاء الحكومة عن سقوط قتلى وجرحى من الحوثيين بمعارك عنيفة وغارات جوية لمقاتلات التحالف في محيط مركز مديرية التحيتا.
وكانت قوات يمنية، وسودانية مشتركة بقيادة الامارات اطلقت في الثالث عشر من الشهر الماضي هجوما عسكريا بريا وجويا وبحريا هو الاضخم منذ ثلاث سنوات لاستعادة موانئ مدينة الحديدة على طريق الملاحة الدولية بين باب المندب وقناة السويس.
وشقت هذه القوات طريقها سريعا في غضون ايام لمسافة تبعد بضعة كليو مترات من مدينة الحديدة، لكن هذه الحملة عادت الى التباطؤ مع تصاعد هجمات الحوثيين المضادة، وتحذيرات الامم المتحدة من تداعيات انسانية للهجوم على المدينة وموانئها الحيوية للمساعدات الانسانية.
ودفعت المعارك الطاحنة في محيط مدينة الحديدة الالاف من سكان المدينة وضواحيها الى الفرار بعيدا عن ديارهم تحسبا لتصعيد عسكري كبير باتجاه المدينة التي يقطنها نحو 600 الف نسمة.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن إن " الشركاء الإنسانيين تحققوا من نزوح أكثر من 17 ألفا و350 أسرة، أي مايفوق 121 ألف نازح منذ مطلع يونيو/حزيران الماضي".
وتسود مخاوف كبيرة من تداعيات معركة الحديدة على الوضع الانساني الكارثي في اليمن، وكذلك على امن الملاحة الدولية في المنطقة التي تعبر منها نحو 13 بالمائة من اجمالي التجارة العالمية، بينها اربعة ملايين برميل من النفط الخام يوميا.
وتعارض الامم المتحدة ومجتمع العمل الانساني نقل الاعمال القتالية الى مدينة الحديدة وموانئها التي تتدفق عبرها 80 من المساعدات والسلع الاساسية، خشية تعريض 8 ملايين يمني يحصلون على مساعدات منتظمة لخطر المجاعة.
وميناء الحديدة هو بمثابة شريان حياة لملايين السكان الذين قذفت بهم الحرب الى دائرة الجوع.
وامس الخميس، دعا مجلس الأمن الدولي الأطراف اليمنية للانخراط بشكل بناء مع جهود الأمم المتحدة للمضي نحو حل سياسي فى اليمن، وطالب بالإبقاء على مينائي الحديدة، والصليف مفتوحين امام الشحنات الانسانية والتجارية.
وكان مجلس الامن، استمع الليلة الماضية الى احاطة جديدة من مبعوث الامم المتحدة الى اليمن مارتن غريفيثس، هي الثالثة في اقل من شهر حول نتائج مشاوراته مع اطراف النزاع اليمني لتفادي معركة وشيكة في مدينة الحديدة، وفرص استئناف مفاوضات السلام المتوقفة منذ عامين.
وقالت مصادر دبلوماسية ان وسيط الامم المتحدة ابلغ مجلس الامن الدولي خلال جلسة مغلقة بمستجدات الوضع العسكري في مدينة الحديدة، وخطته لاستئناف المفاوضات السياسية، على ضوء اللقاءات الأخيرة التي أجراها في صنعاء وعدن.
وأكد المجلس مجددا أن "الحلّ السياسي سيظلُّ السبيل الوحيد لوضع حد للصراع"، الذي طال امده في اليمن .
وتلقى الوسيط الدولي دعما قويا من اعضاء مجلس الامن لبدء جولة جديدة من محادثات السلام بين أطراف النزاع اليمني.
وكان مبعوث الامم المتحدة، انهى الاربعاء مشاورات معقدة مع الاطراف اليمنية في صنعاء وعدن، دون اتفاق حاسم لتفادي الهجوم العسكري الذي تقوده الامارات نحو موانئ الحديدة الاستراتيجية على البحر الاحمر.
لكن المبعوث الاممي احتفظ بتفاؤله في امكانية تسوية سلمية لهذه الازمة، وقال للصحفيين، انه تلقى رسائل "إيجابية وبناءة من كافة الاطراف التي عبرت عن أفكار ملموسة ازاء السلام".
وقال الموفد الدولي، انه سيلتقي مجددا خلال الايام المقبلة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ضمن جولة تشمل عددا من العواصم الإقليمية.
وناقش وسيط الامم المتحدة مع اطراف النزاع اليمني، مقترحا لوضع ميناء الحديدة تحت ادارة واشراف اممي، فضلا عن إطار عام لاستئناف مفاوضات السلام اليمنية في غضون الشهر الجاري.
وعرض مبعوث الأمم المتحدة، افكارا لتحييد ميناء الحديدة بموجب خطة اممية تضمن استغلال إيراداته لتمويل دفع رواتب الموظفين، وتحسين قدرات المرفأ الاقتصادي الهام في استقبال سفن الاغاثة الانسانية والشحنات التجارية.
وافادت مصادر سياسية، ان التباين بدا واضحا في المحادثات مع انتقال النقاش الى تفاصيل هذا الملف الشائك.
واكد الحوثيون موافقتهم على دور رقابي للامم المتحدة في ميناء الحديدة، لكنهم تمسكوا بالسلطات الأمنية والتشغيلية للمرفأ الحيوي الذي تمر عبره نحو 80 بالمائة من المساعدات الانسانية.
ويقوم مقترح تحييد ميناء الحديدة الذي سبق ان تبناه المبعوث الاممي السابق الى اليمن اسماعيل ولد الشيخ احمد منتصف العام 2016، على ركائز أمنية واقتصادية وانسانية تسمح بآلية أسرع لادخال المواد الإغاثية والمنتجات التجارية، واستخدام الايرادات الجمركية والضريبية في دفع رواتب الموظفين وتحسين الخدمات.
ويتضمن المقترح تشكيل لجنة عسكرية مشتركة، لضبط الاوضاع الامنية، واخرى اقتصادية مالية للتعامل مع مداخيل الميناء وضمان تدفق البضائع والمساعدات الإنسانية.
ويأتي المقترح ضمن اجراءات بناء الثقة بين الأطراف، بدءا بوقف للاعمال القتالية كخطوة لاستئناف محادثات السلام في القريب العاجل.
وفشلت اربع جولات من المفاوضات برعاية الامم المتحدة، منذ اندلاع الحرب الطاحنة، في احراز اي اختراق توافقي لانهاء الصراع في البلاد، الذي خلف واحدة من اكبر الازمات الانسانية في العالم من حيث عدد السكان المحتاجين للمساعدات العاجلة حسب الامم المتحدة.