في بلادنا هذه، ولربما في بلاد كثيرة، قليل من يحسن الكلام، وقليل من يحسن السكوت، فقد تسمع كلاما كثيرا، وحديثا طويلا، في أمور لا تستحق هذا كله، ولربما نسمع كثيرا من الأقوال في أمور والناس قد تعبت فيها من كثرة الأقوال، وهي في إنتظار الأفعال. الحسن في الكلام ليس المقصود منه تدبيج المقالات، وتنميق العبارات، والتقعر في إختيار الكلمات ، ولكن المقصود منه نصح المكابر والمعاند بإتباع الحق والسير على افضل القيم وخير القواعد، ونحن عندما نكون بحاجة إلى هذا المقصود من الكلام نرى سكوتا عجيبا، وتغافلا مريبا، ويبقى الحال علينا نكدا عصيبا، فأين الحسن في هكذا كلام،وهكذا سكوت، وياليته سكوت بمعنى الصمت، الذي يؤثر السلامة عن الهلاك، بل هو إمساك عن قول الحق. وأهل الإصطلاح يفرقون بين الصمت والسكوت، فالصمت عندهم إمساك عن الباطل، بينما السكوت إمساك عام عن الحق والباطل، وروي عن الحسن رحمه الله أنه قال:(إملاء الخير خير من الصمت، والصمت خير من إملاء الشر) فالنطق الحسن أفضل من الصمت لأن فيه نفع لصاحبه ولغيره، اما الصامت فنفعه لصاحبه وحده، وقد قيل في الأثر ان الساكت عن الحق شيطان أخرس. العجيب في بلادنا ان اوضاعنا المعيشية تزداد سوءً يوماً عن يوم، ولا نرى من ذوي الشان كلاما حسنا، ولا سكوتا حسنا، أما الفعل الحسن فقد غاب عن هذا البلد منذ زمن ولم يحضربعد، فعندما تحجب الرواتب شهورا، وتغيب الخدمات دهورا، ويكون التعليم مشلولا، والوضع الصحي معلولا وحق العيش الكريم في هذا البلد ليس مكفولا، والشباب مخدر، والرئيس والوزير مسير، وعن صوت الشعب لا يعبر، فإن السكوت عن هكذا وضع ووجع ونكد حالة غريبة، وهو من الحكومة جريمة واعظم كارثة وأكبر مصيبة، فإذا إستمرأ بعضنا حلاوة الباطل والعيش عليه فأعلموا اننا وصلنا إلى الحالة التي وصل إليها بنوا إسرائيل عندما قال تعالى فيهم: ﴿كانوا لا يَتَناهَونَ عَن مُنكَرٍ فَعَلوهُ لَبِئسَ ما كانوا يَفعَلونَ﴾ قال صاحب الكشاف في تفسير هذه الآية لبئس ما كانوا يفعلون للتعجيب من سوء فعلهم مؤكدا ذلك بالقسم، فيا حسرة على المسلمين في إعراضهم عن باب التناهي عن المناكير وقلة عبئهم به، كأنه ليس من الإسلام في شئ، مع مايتلون من كلام الله. ياقوم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب شرعي على كل منا حيث ما كان موقع الواحد منا في وظيفة أو مركز أكاديمي، أو إجتماعي، اوقبلي او حزبي، أو مكون سياسي، أو ملتقى دولي، صغيرا كان مركزه ام كبيرا، او صديقا لذي سلطة، أو قريبا لذي ولاية، فليقم بما يستطيع عليه، فالنبي صلّى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. وقال في حديث آخر: إن الله لايعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على ان ينكروه، فإذا فعلوا ذلك لعن الله العامة والخاصة افنكون ملعونين بسكوتنا عن كل هذا المنكر ونحن نتعذب به في حياتنا ثم يلاحقنا وزره بعد مماتنا فنخسر آخرتنا وقد خسرنا قبلها دنيانا، إن هذا لعمري هو الخسران المبين.
من تكلم فأحسن
2025/11/01 - الساعة 05:08 مساءً