أحْلاَمٌ بِلا أجْنِحَة
2025/11/07 - الساعة 10:12 مساءً
تستقبلكَ منافي الدُّنيا ، وأنت مَا تزَال فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِك، تبحث لاحلامك الجميلة عن أجْنِحَة، ولايامك الخضر عن غيمة مترعة بالندى، وعن وطنٍ مترع بالأماني..
هل قلت الوطن؟ نعم أيها الغريب، إنه الوطن ذلك الذي يقتات من وجعك ووجع الصابرين والمتعبين، وأنت ما زلت تمنحه دفء مشاعرك وصدق محبتك
وتمني النفس بالعودة إلى مدارج الطفولة ومضارب الأهل والأحباب،
كم نادم الليل أمنياتك البسيطة في العيش الكريم في وطن وديع يشعرك بقيمتك وإنسانيتك، ولا يقتات من دموع المتعبين وعرق الفقراء، ولا يمنح السكينة والعيش الرغيد لتجار الحروب ولصوص المال العام..
كم هي قاسية وموحشة ومذلة ليالي غربتك؛ وأنت تبحث عن بعض مما يجود به المانحون من فتات لا يوازي ذلك البذل والعطاء الذي سرق منك فتوتك ويفاعتك وقوتك وعنفوانك..
تعرفك كل مطارات الدنيا ومدنها وشوارعها، كلما يممت وجهك إليها؛ وهي تنظر إليك كطريد ليلٍ أو عابر سبيل ، يبحث عن وطن يتسع لرياض الأطفال، والمدارس والمشافي، و لا يضيق بأحلام الفقراء والمتعبين، الم يقل صديقك الجعمي:
ها أنت من بلد تمضي إلى بلد أُخْرَى.... وقد سئمت من بؤسك المدنُ
فهل وجدت سماء كنت تنشدها... زرقاء يزهو بها الإنسان والوطنُ..
كل هذه الابراج التي ترتفع عاليا في السماء
حملتها ذات يوم على كتفيك،
وكل هذا الجهد والبذل والعطاء لم يشفع لك أيها الغريب، ها أنت تجر خطاك كاللص المذعور كلما أردت أن تنتقل من مكان الى آخر، يحاصرك الخوف والفقر من كل ناحية، وأنت ما زلت في غربتك تبحث عن موعد للهديل، وعن مرفأ موغل في الرحيل ..
لعلك تمني نفسك بالعودة الى الوطن! هل قلت الوطن!...
الم تقرأ "يموتون غرباء" لمحمد عبد الولي، هو نفسه عاد الى الوطن ليعانق الموت في السماء، لعلك قلت في نفسك ما أجمل الموت فوق السحاب..
ها أنت تضيق بك الغربة وتضيق بها، لكنك رغم ذلك لا تفكر بالعودة إلى الوطن، اخبار الوطن لاتسر البَتَّة
الم تقرا درويش " القمح مر في بلاد الاخرين!!...
هو نفسه قدم اعتذره للشهداء بعد اوسلو، وقد أدمى قلبه وجع الأمهات، الم تقرأ " سرير الغريبة".... هل قلت شيئا!؟
لعلك قلت في نفسك انا لا أحب أن أموت جوعا في بلاد يحاصرها الأغنياء والمترفون، وأردت ان تصرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِك فخنقتك العبرات ،
الم تقرأ يحيى الحمادي : "في النفس شيئا ولكن لن أبوح به يكفي الذبيح عزاء أنه رقصا"...
ربما قلت في نفسك الموت افضل في بلاد الآخرين، أو لعل بعض المنافي تمنحك بعض الحنان الذي بخلت به الأوطان؛
الم تقرا لعبد الوهاب البياتي: "نحن من منفى الى منفى ومن بابٍ لباب، نذوي كما تذوي الزنابق في التراب"....
هو نفسه أيضا مات غريبا لكن في دمشق !
هل قلت دمشق !!؟ نعم دمشق!
ولكن قبل أن تختنق بدخان الحرائق وتمرح في قاسيون الذئاب..
ياشام ياشامة الدنيا ووردتها...... يامن بحبك اوجعت الازاميلا
وددت لوجعلوني فيك مئذنة....... او علقوني على الابواب قنديلا....
هو نفسه ايضا اختطفه الموت غريباً عن الشام والياسمين
أتقصد نزار قباني؟ نعم هو الأمير الدمشقي بعينه..
سلبوك وطنك، وحريتك، وارتضيت الذل والحرمان،
ها أنت وإن مت في وطنك تموت كما يموت الغريب،
لقد سرقوا منك الوطن!
فأياك أن تسمح لهم بأن يقتلوا فيك الانتماء ،وإياك ان تستبدل وطنيتك بشعارات الثورات المستوردة عن العدل والمساواة فتفقد بعدها هُوِيَّتَك، وإياك ان تهتف لمن سرقوا وطنك وأحلامك وثورتك،
ونهبوا ثروتك، فالتاريخ لا يخلد في صفحاته إلا الفرسان ..
أجمل الشعراء هم من يترفعون عن المبالغة في المديح وهو غرض من أغراض الشعر التي لا يرفضها التصوُّر الإسلامي للأدب إذا لم تخالف الضوابط الشرعية المعروفه، ولم يوغل في مسالك الكذب والتملغ والمبالغة
الم تسمع ما قاله عِمران بن حطان حين رأى الفرزدق يقول مديحا والناس تصطف من حوله - فطلب منه - أن يصُون نفسه عن طلب ما عند الناس ، وأن لا يسأل إلا الله :
أيها المادح العباد ليُعطى...... إن للهِ ما بأيدي العبادِ
فاسألِ اللهَ ما طلبتَ إليهم..... وارجُ فضلَ المقسم العوادِ
لا تقُلْ في الجوَادِ ما ليس فيه..... وتُسمِّ البخيلَ باسم الجوادِ..
الم تسمع ما قاله البردوني لابي تمام "حبيب بن أوس الطائي:
وتجتدي كلَّ لصٍ مُترفٍ هِبةً.... وأنتَ تُعطيه شِعراً فوق مايَهَبُ
شرَّقت غرَّبتَ من «والٍ» إلى «ملكٍ».. يحُثُّكَ الفقرُ ... أو يقتادك الطَّلب...
الوطن هو بساتين الحب التي يفوح بها الورد والحبق والبن والياسمين ، وهو مقاهي المدن القديمة التي تصحوا مع أذان الفجر وتسهر إلى منتصف الليل، وهو الشوارع التي لا تنام، والبيوت العامرة بالحب والرحمة والسكينة، وهو المسجد والمشفى والمدرسة، والبحر والرمل والجبل، ألم يقل أمير الشعراء شوقي:
"قد يهونُ العمرُ إلا لحظةً ///وتهونُ الأرضُ إلا موضعا"..
ألم يقل سعيد عقل:
ُ "رُدَّ لي من صَبوتي يا بَـرَدَى ذِكـرَياتٍ زُرْنَ في ليَّا قَــوَامْ
ظمئَ الشَّرقُ فيا شـامُ اسكُبي واملأي الكأسَ لهُ حتّى الجَـمَامْ!
ليلةَ ارتـاحَ لنا الحَـورُ فلا غُصـنٌ إلا شَـجٍ أو مُسـتهامْ"...
هو أيضا حمل حقائبه واوغل في الرحيل..
ظمئَ القلب إلى حواضر العرب تلك التي حملت النور والضياء، والعدل والمحبة لكل البشرية، وهاهي تنام وتصحوا على عاتيات الخطوب،
الم تسمع ما قاله صديقك الجعمي وهو يرقب طيف سارية بجنح الليل تنسى ان تنام:
أَحنُّ للنيلِ يا "وهرانُ" بي شَغَفٌ.....إلى الْفُرَاتِ وَكَمْ غَنَّى الهَوَى بَرَدَى
يا شامُ بي لوْعَةٌ حَرَّى وبي ظَمَأٌ.... لا الماء يَجْرِي ولا الظَّمْآنُ قَدْ وَرَدَا...