في خضم المشهد السياسي المعقد الذي تعيشه البلاد، ووسط محاولات إعادة إنتاج النفوذ من النوافذ الخلفية، برزت وثيقة موقعة من نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، العميد طارق محمد عبدالله صالح، تتضمن طلب تعيينات في الحكومة باسم “المكتب السياسي للمقاومة الوطنية”. هذا الطلب، في توقيته ومضمونه، يثير تساؤلات مشروعة حول معايير الشراكة، وحدود الاستحقاق، وعدالة التمثيل بين مكونات الشرعية.
الوثيقة تطالب بتعيين خمسة أشخاص في مناصب حكومية عليا، من بينهم نواب وزراء ووكلاء وزارات ومحافظ. وبغض النظر عن الأسماء، فإن الإشكالية الجوهرية تكمن في منطق المحاصصة الذي يحاول فرض نفسه، تحت غطاء “المقاومة” التي لم تحرر شبراً واحداً، بل اتكأت على انتصارات غيرها، وتتموضع اليوم في مناطق آمنة، بينما المعركة الحقيقية خاضها الآخرون في الميدان.
والأدهى، أن هذا الطلب يأتي من جهة تُحسب سياسياً على المؤتمر الشعبي العام، وهو ما يطرح تساؤلاً مشروعاً: هل يحصل المؤتمر على نصيبه كحزب سياسي، ثم نصيب إضافي باسم “المقاومة الوطنية”؟ وإذا كانت الشراكة تستند إلى معادلة القوة والسيطرة، فمن الأولى بالتمثيل؟ من يقاتل على الأرض ويدير شؤون الناس، أم من يفاوض من وراء الستار لاقتسام الغنائم؟
الجنوب اليوم، أرضاً وشعباً ومقاومة، هو من يحتضن الشرعية، ويؤمّن لها المساحة الجغرافية والسياسية واللوجستية للبقاء. من عدن إلى أبين، ومن لحج إلى حضرموت، كانت القوات الجنوبية (بمختلف مسمياتها: المجلس الانتقالي، العمالقة، النخبة، المقاومة الجنوبية) رأس الحربة في مواجهة الانقلاب الحوثي. بل إن كثيراً من المكونات السياسية والعسكرية، بما فيها “المقاومة الوطنية”، ما كانت لتستمر لولا بيئة الجنوب المحررة التي وفّرت لها المقرات والدعم والأمان.
وعليه، فإن الحديث عن استحقاقات حكومية ينبغي أن يُبنى على معايير منطقية وواقعية، لا على فهلوة سياسية أو توظيف نفوذ. ومن باب أولى، فإن الجنوب بكل مكوناته، يستحق ثلاثة أرباع التمثيل في الحكومة، لا باعتباره جهة مانحة، بل باعتباره الشريك الحقيقي في المعركة، وفي حفظ ما تبقى من مشروع الدولة.
أما إذا اتجهت الأمور – كما تُلمّح بعض الأطراف الدولية – نحو شراكة مع الحوثيين، فإن التمثيل حينها يجب أن يُعاد توزيعه وفق معادلة “شمال وجنوب”، لا وفق معادلة “من حضر ومن غاب”، وبما يضمن عدالة التمثيل لجميع المكونات: جنوبية وشمالية، مقاومة وحزبية، لا أن يستمر الاستحواذ المقنّع، باسم “مكتب” أو “مكون” وُلد خارج السياق الوطني الحقيقي.
إن ما يحدث اليوم اختبار حقيقي لمدى وعي ممثلي الجنوب، ومدى قدرتهم على الدفاع عن حقوق مكتسبة، لا ينبغي التفريط فيها لصالح من اعتادوا القفز على التضحيات، واستثمار نصر لم يصنعوه.