فارس العدني
لم تعد المعاناة في عدن وسائر مناطق الجنوب سرًا يُخفى أو وجعًا يُكتم. لقد أصبحت واقعًا يعيشه الناس في تفاصيل حياتهم اليومية، فلا كهرباء ولا ماء ولا خدمات، وأحوال معيشية تزداد قسوة يومًا بعد يوم. ومقابل هذا الانهيار، لا نرى إلا صمتًا رسميًا مريبًا، أو تصريحات خاوية، لا تسمن ولا تغني من جوع.
إذا ما استثنينا رموز السلطة وحواشيهم في مختلف الاتجاهات، فإن غالبية السكان باتوا عاجزين عن تلبية أبسط احتياجاتهم. ومع ذلك، حين يخرج هؤلاء المعذبون في الأرض إلى الشارع ليُعبّروا عن وجعهم، يُقابلون بالقمع والتخوين ومحاولات إسكات الصوت.
إن حق الناس في التعبير السلمي عن غضبهم واحتجاجهم حقٌّ أصيل، لا يُنتقص تحت أي ذريعة. ومهما فتشنا في نوايا البعض، أو تحدثنا عن ركوب موجة أو استغلال سياسي، فإن ذلك لا يُعفي من تقع عليهم مسؤولية الحكم من تقصيرهم، ولا يمنحهم صكًا باستخدام البطش أو تكميم الأفواه.
المفارقة المؤلمة أن كثيرًا ممن يبررون اليوم قمع الناس، كانوا أول من صفّق وبارك في فترات سابقة خروج الجماهير للمطالبة بالحقوق السياسية. فكيف يستقيم أن تُعتبر المظاهرات السياسية بطولية، وتُعدّ الصرخات المعيشية اليوم فوضى يجب وأدها؟
إن الجائع لا يُطالب بمكاسب حزبية، ولا يسعى إلى مشاريع خارجية. إنه فقط يريد أن يعيش، أن يضيء بيته، أن يطعم أطفاله. فهل أصبح ذلك تهمة؟
نقولها بوضوح: صرخة الجائع لا تحتاج إلى تأويل، بل تحتاج إلى استجابة حقيقية، واعتراف بالخلل، وشجاعة في مواجهة الواقع، بدلًا من الهروب إلى شماعات مستهلكة.