حين تغيب الحقيقة وتخنق القضية

فارس العدني

 

في مشهد سياسي معقد لم يعد مستغربا أن نرى تسابقا محموما على المناصب وتهالكا على فتات المكاسب وسط غرق جماعي في وحل الفساد والمحسوبية والنهب الممنهج تراجعت القضية الجنوبية إلى الصفوف الخلفية بل رميت خلف الشمس بينما ترك الشعب الجنوبي يواجه مصيره البائس وحيدا بعد أن سلم امره إِلَىٰ من خان عهده

 

لقد انفصل كثير من القيادات عن الناس وعن الواقع وأوجاعه فيما لم ينفصلوا قيد أنملة عن الشمال وأحزابه رغم كل الشعارات التي يرفعونها زيفا لتبرير بقائهم في المشهد اليوم وأكثر من أي وقت مضى بات لزاما علينا أن نبحث عن الأسباب الحقيقية لما آلت إليه أوضاعنا بدلا من الهروب إلى تبريرات واهية لا تقنع حتى الأطفال وبدلا من التستر على الفشل وتجميل الفاسدين بدافع صداقة أو قرابة أو منفعة آنية أو ربما غباء مستفحل

 

السؤال الجوهري الذي يطرق كل عقل وضمير لماذا وصل بنا الحال إلى ما نحن فيه الإجابة قد تكون مرعبة لكنها حقيقية فما نشهده من عبث وفوضى وغياب للرؤية وانهيار للخدمات وانفتاح الساحة أمام القوى المتربصة بالقضية الجنوبية ليس إلا نتيجة حتمية لمسار خاطئ لطالما حذرنا منه مرارا ومع ذلك يقابل التحذير بالتجاهل وأحيانا بالتخوين أو السخرية وكأن العمى السياسي أصبح فضيلة

 

الطامة الكبرى أن البعض لا يزال مصمما على المضي في طريق الفشل ذاته مصرا على المكابرة رغم وضوح المؤشرات والدلائل على الخراب القادم وهنا لا بد من التأكيد أن الاعتراف بالخطأ ليس ضعفا بل هو أول خطوات العلاج أما الغرق في وحل الإنكار والمعاندة فلن يجلب سوى مزيد من الخسائر والانكسارات

 

وفي صلب الحقيقة المؤلمة تتكشف خريطة جديدة لمناطق وقوى نشأت لها مصالح وامتيازات غير مسبوقة لم تكن تحلم بها يوما وهي اليوم تقاتل بشراسة للدفاع عن الوضع الراهن متسترة خلف شعارات وطنية زائفة لكنها في جوهرها لا تدافع عن الجنوب بل عن النفوذ والثروة والسلطة

 

آن الأوان لتسمية الأشياء بمسمياتها آن أوان النقد الصريح والمكاشفة الجريئة فالقضية الجنوبية أكبر من الأفراد وأكبر من أي سلطة أو مصلحة آنية وإن لم تتدارك القيادات مسؤولياتها وتصحح بوصلتها فإن التاريخ لن يرحم والشعب لن ينسى