الصحفيون يرفعون الصوت… ووزارة الإعلام تواصل سياسة الغياب

في مشهد يكشف عمق الفجوة بين العاملين في الحقل الإعلامي والجهة الرسمية المفترض أنها الحامي الأول للمهنة، يواصل الصحفيون رفع أصواتهم مطالِبين بحقوقهم الأساسية، بينما تلتزم وزارة الإعلام صمتًا يضاعف الأزمة ويعطي انطباعًا بأن ما يحدث ليس سوى ملف ثانوي يمكن تأجيله إلى ما لا نهاية. ففي الوقت الذي تتساقط فيه المؤسسات الإعلامية واحدة تلو الأخرى، وتتزايد معاناة الصحفيين مع تأخر الرواتب، غياب التأمين الصحي، انعدام التدريب، وتراجع بيئة العمل إلى أدنى مستوياتها، تبدو الوزارة وكأنها اختارت الانسحاب من المشهد، تاركة العاملين في مواجهة الانهيار وحدهم.

 

ومع كل بيان نقابي وكل شكوى رسمية، يكرر الصحفيون ذات السؤال: لماذا تصر الوزارة على تجاهل معاناتهم؟ وكيف يمكن تفسير هذا الغياب الكامل عن قضايا مهنية ملحّة تمس مستقبل الإعلام برمّته؟ الواقع أن استمرار الصمت الرسمي يعمّق الشعور بأن الأزمة لم تعد مرتبطة بإمكانات الدولة أو ظروف الحرب بقدر ما ترتبط برغبة غائبة في إنقاذ ما تبقى من الإعلام المهنية المستقلة. فالمطالب المطروحة ليست تعجيزية ولا رفاهية؛ بل هي أساسيات لا بقاء للمهنة بدونها: فتح قنوات حوار مع النقابات والمؤسسات الإعلامية، تفعيل صندوق دعم الصحافة، ووضع آلية شفافة وواضحة لاستقبال شكاوى العاملين واتخاذ حلول فعلية لها. ورغم وضوح هذه الخطوات وواقعيتها، إلا أنها تظل معلّقة فوق طاولة وزارة تبدو منشغلة بكل شيء إلا الإعلاميين.

 

إن غياب هذه الحد الأدنى من الإجراءات لا يهدد فقط حقوق العاملين، بل يهدد وجود الإعلام نفسه كأداة رقابية وكصوت للمجتمع. فمن دون فتح قنوات الحوار، سيظل الصحفيون معزولين عن الجهة التي يفترض أنها تمثلهم؛ ومن دون تفعيل صندوق دعم الصحافة، ستستمر المؤسسات في الانهيار؛ ومن دون آلية واضحة للشكاوى، سيستمر الظلم الإداري دون رقيب. وهي جميعها خطوات لا يمكن الحديث عن إعلام قادر على لعب دوره أو مواجهة موجة التحولات التي يشهدها اليمن والمنطقة دونها.

 

ومع كل يوم يمرّ دون تحرك رسمي، تزداد القناعة لدى الصحفيين بأن غياب الوزارة لم يعد مجرد تقصير إداري، بل بات سياسة صامتة تُبقي هذا القطاع في دائرة الهشاشة. وفي بلد يعتمد على الصحافة كعين يقظة في زمن الاضطرابات، يصبح الصمت الوزاري جريمة مهنية مكتملة الأركان، وثمنها يُدفع من جودة المهنة وحقوق العاملين ومساحة الحرية التي تنكمش يومًا بعد يوم. وبين الصوت الذي يعلو من الميدان والجهة التي اختارت الغياب، يبقى مستقبل الإعلام معلّقًا على قرار واحد: أن تعود الوزارة إلى دورها قبل أن يسقط ما تبقى من هذه المهنة تماما